حملة الأسرة المسلمة للأوروبيين كافة
الشيخ عبد المعطي خضر الى اليمين
خضر عبد المعطي خضر
مع انطلاقة حملة أسرة مسلمة مستقرة خدمة للمجتمعات الأوروبية، نحمد الله الذي بنعمته تتم الصالحات، ونصلي ونسلم على خير أب وخير جد، وخير زوج، وخير صهر، محمد خاتم الأنبياء، والمرسلين صلى الله عليه وسلم.
وبعد:
فإن هذه الحملة المباركة التي أسعدنا بها اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا، بكل مؤسساته -في أكثر من ثلاثين دولة أوروبية- وبكل مَنْ شاركه وعاونه وتحمل أعباء الرعاية المادية والفكرية لهذه الحملة، فقد بات علماؤه ومفكروه شاحذين همهم حاملين أقلامهم، واستعد خطباؤه وأئمته ومرشداته لتنبيه الناس، ورفع الالتباس، وأعد الإداريون مؤسساتهم لألف منشط؛ ليصلوا بها إلى كل فرد وكل أسرة مسلمة في الغرب.
من أجل مجتمع آمن
هذه الحملة التي أراها نفعا وخيرا للمجتمع الأوروبي وتحصينا له قبل تحصين الأسرة المسلمة ونفعها، وأراها أمنا وأمانا للمجتمع الأوروبي، وضمانا لسعادة أهله داخليا، كما هي للأسرة المسلمة سواء بسواء، وذلك لأمرين:
أولهما: أن صلاح الأسرة المسلمة، والتي تعد تشكيلا أساسيا في المجتمع الأوروبي اليوم وينتج عنها أطفال وشباب في المجتمع كله مدارسه وجامعاته ومؤسساته، يعد إصلاحا لهذا المجتمع الأوروبي؛ فحسن العلاقة بين الزوجين، وحسن رعاية الأبناء في محاضن دافئة صحيحة ووفق صناعة الإنسان المتكامل النافع منذ ولادته، وبل قبل ولادته، ثم في جميع مراحله، لَتصنعُ منه عالما ومفكرا، وحاميا للديار والعباد كما تقول النظرية التربوية: ابنك لسبع سنين أمير، ولسبع سنين أسير، ولسبع سنين وزير.
فبعد السبع الأولى من التعلم والتلقي مع اللعب والمرح، والتوجيه دون عقوبات رادعة -فهو يخزن الخير ويطبع القدوة- تأتي سبع أخَر يتعلم فيها النظام والقوانين والضوابط بكل صراحة، ثم يخرج بعدها وزيرا صالحا لمساندة أهله، وتحمل مسئولية بلاده، بل يهتف {رب ارحمهما كما ربياني صغيرا}.. هذه التربية لأمن مؤسسات المجتمع الأوروبي فهي تخفف العبء عن مؤسساته المختلفة (التي تعاني من تزايد المشاكل الأسرية، وخاصة أسر المسلمين وأبناءهم في الشئون الاجتماعية، والشرطة، والقضاء، والتعليم) بما ستقوم به الحملة من تواصل وتوعية، ومؤتمرات، ومنتديات، وزيارات ميدانية، وأبحاث.
السبب الثاني لسعادة أوروبا بهذه الحملة أن الأسرة الأوروبية التي تعاني من كثير من المشكلات الداخلية ستجد القدوة الحسنة التي تقتدي بها عند رؤيتها لجاراتها من الأسر المسلمة المستقرة، أو بالمنهج الذي سيعرض على الجميع لاستقرار الأسرة وسعادتها، فتستضيء من نور المنهج الرباني لترطب الجفاء المادي، فلم تصنع الحياة المادية برغم قوتها وما لَها ونظامها السعادةَ للإنسان الأوروبي، ولم يتمكن التقدم العملي من تحقيق النفس البشرية المطمئنة المقبلة على الحياة بلا مخاوف وأنانية، ولم يحقق التحصين العسكري الأمن والترابط والتلاحم والتراحم بين أفراد الأسرة، ولم تصنع دعوات القومية والمغريات الاجتماعية وزيادة عدد المواليد والحرص مستقبل الأجيال القادمة من الناحية القومية، أو العرقية، أو التاريخية، فكأن أوروبا ومنذ عصور تقف محلها في هذه المشكلات حتى وصف كُتاب الغرب بريق تقدمها وتوهج علمها بغطاء من الجمال لحالة من التعاسة والشقاء، كما قال المفكر الأمريكي "كولن ولسون"، وهو بذلك يحقق قول الشاعر العربي:
كمثل الطبل يُسمع من بعيد *** وباطنه من الخيرات خالٍ
أو كمال قال الفيلسوف البريطاني (براتراند راسل): إن الإنسان في صراعه مع الطبيعة قد انتصر بواسطة العلم، أما في صراعه مع نفسه فلم يُحرز نصرًا، ولم يجده صلاح العلم.. ويعترف بأن الدين لم يزل هو صاحب هذا الميدان.
حلم الاندماج
كذلك تتقدم حملة الأسرة المسلمة في أوروبا إلى الأسرتين المسلمة والأوروبية، حاملة مشعل النور الرباني الفطري السليم؛ فهي تتناول مشاكل المراهقين وخلافات الحياة الزوجية، وتعالج حقوق المرأة الأوروبية حين تتزوج من رجل مسلم، فتدعوها أن يصبر كل منهما على الآخر، حتى يكون أكثر فهمًا لطبيعة تكوين الآخر.
قد يدأب الإنسان على مفاهيم خاطئة طيلة حياته، فمن الصعب تغييرها إلا بالصبر والتفاهم والتناصح، وحسن اختيار المرجعية الصحيحة عند الخلاف؛ فقد ينشأ الطفل في أسرته على أن 1+1=3، وفي المدرسة يقال له 1+1=2؟.. هذه تحتاج إلى تمرس أخلاقي عال، وبهذه النظرية يتعامل الطرفان في سلبيات حياتهما للتخلص منها شيئا فشيئا عندما تبصر عيناهما نور الحقيقة الوهاج، ويتعاونان على إخراج جيل يحترم هويته وأصوله العرقية من الطرفين وينمو على السلم الاجتماعي في داخل الأسرة ويحققه خارجها.
نعم، تنطلق حملة الأسرة المسلمة في أوروبا تحصينا واستقرارا للأسرتين المسلمة والأوروبية؛ ليتحقق حلم الاندماج والتوطين والمواطنة بغير تعصب ولا نكران للجميل، فالأسرة المسلمة ستجد في هذه الحملة تذكيرا للناسين وإيقاظا للغافلين عن غاية المسلم في الحياة، والمال، والأولاد، حتى لا يتحول كل ذلك إلى بلاء وهم وعناء كما حصدت كثير من أسر المهاجرين الأوائل، وأصيبت بانحراف أبنائها، برغم حياة الترف والتعليم، وكأنه قول الله تعالى: {وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ أَن يُّعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ} (التوبة: 85).
وكما يقول ربنا {وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ} ومن جميل التفسير لهذه الآية توصل بعض العلماء إلى وجود نوع من العنكبوت، لا هم له إلا الوصول إلى أنثاه، وحينما يتم التكاثر بينهما تدور عليه الأنثى وتقتله، ثم إذا أخرجت أولادها، فأول شيء يفعلونه أنهم يدورون على أمهم فيأكلونها، فأي ضعف مقصود هنا، أو وهن؟.. إنه لا شك الوهن الأسري الاجتماعي، لأب شهواني مادي، وأم غير وفية، وأبناء غير بررة، إنها حملة الأسرة نحو الاستقرار والتحصين.
التحصين بالأخذ بزمام العلوم والتفوق الدراسي، التحصين بالنطق بلسان البلد الأوروبي، وعدم إهمال لغة الموطن الأم، والاهتمام الشديد بتعلم لغة القرآن اللغة العربية، وبهذا يخرج الابن من هذه الأسرة عنده العلوم واللغات والأخلاق.
حملة المنهج الشامل
إنها حملة تحصين المرأة ودورها وسيتزامن هذا مع احتفال أوروبا كلها في الثامن من مارس بيوم المرأة، لتمحو الحملة الصورة السيئة عن المرأة في الدول المتخلفة، وتصحح دورها في الدول الأوروبية بإعطاء النموذج الإسلامي الجيد والصحيح لتكريم المرأة، وتثمين دورها في الأسرة والمجتمع، والحياة.
إنه المنهج الشامل للإصلاح في كل شئون الأسرة، تتقدم به حملة الأسرة المسلمة في أوروبا، غير متجاهلة دور المادة في حياة الإنسان، والدول، والشعوب، فرائدها ما رواه الإمام أحمد من حديث سعد بن أبي وقاص: "من سعادة ابن آدم المرأة الصالحة، والمسكن الصالح، والمركب الصالح" ونعم المال الصالح للرجل الصالح، بل أكثر من ذلك: خير دينار ينفقه المرء دينار ينفقه على أهله، وأكرم بقول نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي"، "حتى اللقمة يضعها في فم زوجته له عليها أجر".
فعلى بركة الله تنطلق حملة الأسرة المسلمة في أوروبا، وندعو كل الشرفاء والمخلصين من المفكرين والإعلاميين، ليس فقط في مؤسسات اتحاد المنظمات الإسلامية، وإنما في كل مؤسسة حرة معتدلة في أوروبا إلى المساهمة في تفعيل هذه الحملة، ولا نهمل دور الأفراد، كل حسب سعته وما قدره الله له.
على بركة الله، ولتسعد أوروبا باحتضان المسلمين.